الخط العربي فن نشأ وترعرع في ظلال القرآن

الخط العربي فن نشأ وترعرع في ظلال القرآن

صالح العبادي - لم يعرف شعب من الشعوب اهتم بخطه أو لغته المكتوبة كما اهتم العرب، فقبل الإسلام كانت استخدامات الكتابة ضيقة الحدود وما كانت الحاجة إليها ملحة، فان وثّق عهد أو كتبت وثيقة فلأهميتها وتوفر أدواتها، فوثيقة قريش التي كتبتها بشأن مقاطعة النبي صلى الله عليه وسلم في شعب أبي طالب، كانت بالغة الأهمية للتوثّق حتى تلزم قريش بالمقاطعة فقد اعتبرت محمدا عليه الصلاة والسلام، مهددا لدينها ومسفها أحلامها.
فبدأ الاهتمام بالخط العربي وتجويده على يد الصحابة الكرام في تدوين الكتاب السماوي، الذي انزله رب العزة على نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، فكان هناك ما يعرف بكتبة الوحي وهم مجموعة من الصحابة الكرام يقومون بتدوين الآيات والسور القرآنية التي تنزل على النبي عليه الصلاة والسلام، فكان منهم الخلفاء الأربعة ومنهم زيد بن ثابت ومعاوية بن أبي سفيان، حيث كانوا يكتبون القرآن الكريم على سعف النخل والحجارة وعلى الرق والجلود بالخط الكوفي البسيط الذي عرف فيما بعد بكوفي المصاحف (غير منقوط )، فالقرآن الكريم بقدسيته قد أضفى على الحرف الذي نزل به تلك القدسية حتى عند الشعوب التي لا تنطق به! فهو سائر مع هذا الدين إلى أن يشاء الله. ''
و بعد جمع القران الكريم بين دفتين في عصر الخلافة الراشدة بدأ الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه بنسخ المصاحف وتوزيعها على الأمصار الإسلامية. ''فانتشر تجويد الخط العربي بعد انتشار هذا الدين، فتألق نجم هذا الفن في العصر الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب واتخاذه الكوفة عاصمة له فظهر الكتّاب (الخطاطون ) وكان من أبرزهم خالد بن أبي الهياج، الذي يعتبر أول من استخدم الخط العربي من الناحية الجمالية خارج الألواح والقرطاس، فقد كتب الآيات القرآنية على الجدار القبلي للمسجد النبوي الشريف، واستطاع الخروج من أسلوب الخط اليابس الهندسي (الكوفي) إلى الخط المقوّر الذي يعطي الفنان المرونة والمطاوعة لرسم الحرف والابتكار فيه..
و لم تؤدِ تطورات الخط المقوّر إلى إهمال الخطوط الكوفية، فقد استمرت الخطوط الكوفية بالتطور إلى أن وصل تعدادها إلى أكثر من سبعين نوعا، فمنها ما يستخدم إلى اليوم أمثال النيسابوري والقيرواني والبسيط والمورّق والتذكاري والمملوكي والسلجوقي، ومنها ما اندثر ولم يعد يستخدم . ''
وهذه الأسماء تدلنا على ان الشعوب الإسلامية في اغلبها شاركت في نهضة هذا الفن العظيم وتفرده وخصوصيته على مستوى فنون العالم، وفي عهد عبد الملك بن مروان ظهر ''قطبة المحرر'' الذي ابتكر قلم الجليل(خط الجليل) ومن ثم اشتق من هذا القلم ثلاثة أنواع، وفي العصر العباسي جاء الضحاك بن عجلان الشامي وإسحاق بن حماد فتابعا قطبة المحرر وطورا ما قام به حتى وصل عدد الأقلام إلى اثني عشر قلما، ثم إبراهيم الشجري الذي اشتق من الطومار(الجليل) قلم الثلث والثلثين نسبة إلى قلم الطومار ثم جاء أخوه ''يوسف لقوا'' فاخترع قلم التوقيع الذي طوره فيما بعد الفضل بن سهل وأسماه القلم الرياسي واشتق منه المحقق ونصف الرياسي والمنثور.
وبعد هذه النقلات السريعة في إرساء قواعد وأنواع الأقلام العربية كانت في الجانب الآخر صورة أخرى هي كثرة الخطاطين والكتبة والمحررين (تعطي نفس المعنى) وكثرة إنتاجهم من خط المصاحف والأشعار والكتب ونسخ الكتب وتداولها، فإذا رجعنا إلى الوراء قليلا أي إلى بداية ظهور الدين الجديد والدعوة إلى الإسلام، فسنجد تطورا سريعا ومذهلا سار جنبا إلى جنب مع هذا الدين العظيم ونشأ في كنفه.